فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)}.
أخرج الواحدي والثعلبي بسنده عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في عبدالله بن أبي وأصحابه، وذلك أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عبدالله بن أبي: انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم، فذهب فأخذ بيد أبي بكر فقال: مرحبًا بالصديق سيد بن تيم، وشيخ الإِسلام، وثاني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار، الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أخذ بيد عمر فقال: مرحبًا بسيد عدي بن كعب، الفاروق القوي في دين الله، الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم أخذ بيد علي وقال: مرحبًا بابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه، سيد بني هاشم ما خلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم افترقوا فقال عبدالله لأصحابه: كيف رأيتموني فعلت؟ فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت، فاثنوا عليه خيرًا.
فرجع المسلمون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه بذلك، فأنزلت هذه الآية.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وإذا لقوا الذين آمنوا} الآية. قال: كان رجال من اليهود إذا لقوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو بعضهم قالوا: إنا على دينكم {وإذا خلوا إلى شياطينهم} وهم إخوانهم {قالوا إنا معكم} أي على مثل ما أنتم عليه {إنما نحن مستهزئون} قال: ساخرون بأصحاب محمد {الله يستهزئ بهم} قال: يسخر بهم للنقمة منهم {ويمدهم في طغيانهم} قال: في كفرهم {يعمهون} قال يترددون.
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: {وإذا لقوا الذين آمنا قالوا آمنا} وهم منافقو أهل الكتاب، فذكرهم وذكر استهزاءهم، وأنهم {إذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم} على دينكم {إنما نحن مستهزئون} بأصحاب محمد. يقول الله: {الله يستهزئ بهم} في الآخرة، يفتح لهم بابًا في جهنم من الجنة ثم يقال لهم: تعالوا فيقبلون يسبحون في النار، والمؤمنون على الأرائك وهي السرر في الحجال ينظرون إليهم، فإذا انتهوا إلى الباب سد عنهم، فضحك المؤمنون منهم فذلك قول الله: {الله يستهزئ بهم} في الآخرة، ويضحك المؤمنون منهم حين غلقت دونهم الأبواب. فذلك قوله: {فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون} [المطففون: 34].
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا} أي صاحبكم رسول الله ولكنه إليكم خاصة {وإذا خلوا إلى شياطينهم} من يهود الذين يأمرونهم بالتكذيب {قالوا إنا معكم} أي إنا على مثل ما أنتم عليه {إنما نحن مستهزئون} أي إنما نحن مستهزئون بالقوم، ونلعب بهم.
وأخرج ابن الأنباري عن اليماني أنه قرأ: {وإذا لاقوا الذين آمنوا}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله: {وإذا خلوا} قال: مضوا.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} قال: رؤوسهم في الكفر.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {إذا خلوا إلي شياطينهم} قال: أصحابهم من المنافقين والمشركين.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} قال: إلى إخوانهم من المشركين، ورؤوسهم وقادتهم في الشر {قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون} يقولون: إنما نسخر من هؤلاء القوم ونستهزئ بهم.
وأخرج ابن المنذر عن أبي صالح في قوله: {الله يستهزئ بهم} قال: يقال: لأهل النار وهم في النار اخرجوا، وتُفْتَحُ لهم أبواب النار، فإذا رأوها قد فتحت أقبلوا إليها يريدون الخروج والمؤمنون ينظرون إليهم على الأرائك، فإذا انتهوا إلى أبوابها غلقت دونهم. فذلك قوله: {الله يستهزئ بهم} ويضحك عليهم المؤمنون حين غلقت دونهم. فذلك قوله: {فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون} [المطففون: 3435] الآية.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله: {ويمدهم} قال: يملي لهم {في طغيانهم يعمهون} قال: في كفرهم يتمادون.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {يعمهون} قال: يتمادون.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله عز وجل: {يعمهون} قال: يلعبون ويترددون. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول الشاعر:
أراني قد عمهت وشاب رأسي ** وهذا اللعب شين بالكبير

وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {ويمدهم} قال: يزيدهم {في طغيانهم يعمهون} قال: يلعبون ويترددون في الضلالة. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{إذا} منصوب ب {قالوا} الذي هو جواب لها، وقد تقدّم الخلاف في ذلك، و{لقوا} فعل وفاعل، الجملة في محلّ خفض بإضافة الظّرف إليها.
وأصل {لقوا} لقيوا بوزن شربوا فاستثقلت الضمة على الياء التي هي لام الكلمة، فحذفت الضمة فالتقى ساكنان: لام الكلمة وواو الجمع، ولا يمكن تحريك أحدهما، فحذف الأول وهو الياء، وقلبت الكسرة التي على القاف ضمّة؛ لتجانِسَ واو الضمير، فوزن {لَقُوا} فَعُوا، وهذه قاعدة مطّردة نحو: خشوا، وحيوا.
وقد سمع في مصدر لقي أربعة عشر وزنًا: لُقْيًا وَلِقْيَةً بكسر الفاء وسكون العَيْن، ولقاء ولقاءة بفتحها أيضًا مع المَدّ في الثلاثة، ولَقَى بفتح الفاء وضمّها، ولُقْيَا بضم الفاء، وسكون العين ولِقِيَّا بكسرها والتشديد ولُقِيَّا بضم الفاء، وكسر العَيْنِ مع التشديد، ولُقْيَانًا وَلِقْيَانًا بضم الفاء وكسرها، ولِقْيَانَةً بكسر الفاء خاصّة، وتِلْقَاء.
وقراءة أبو حنيفة- رحمه الله-: {وَإِذّا لاَقُوا}.
و{الَّذِينَ آمَنُوا} مفعول به، و{قالوا} جواب {إذا} و{آمَنَّا} في محل نصب بالقول.
قال ابن الخطيب: والمراد بقولهم: {آمنا} أخلصنا بالقلب؛ لأن الإقرار باللسان كان معلومًا منهم مما كانوا يحتاجون إلى بَيَانِهِ، إنما المشكوك فيه هو الإخلاص بالقلب، وأيضًا فيجب أن يحمل على نقيض ما كانوا يظهرونه لشياطينهم، وإنما كانوا يظهرون لهم التَّكذيب بالقلب.
وقوله: {وَإِذَا خَلَوْاْ إلى شَيَاطِينِهِمْ قالوا} تقدّم نظيره، والأكثر نظيره، والأكثر في خَلاَ أن يتعدّى بالباء، وقد يتعدّى ب {إلى} وإنما تعدّى في هذه الآية ب {إلى} لمعنى بديع، وهو أنه إذا تعدّى بالباء احتمل معنيين:
أحدهما: الانفراد.
والثاني: السُّخرية والاستهزاء، تقول: خلوت به أي: سخرت منه، وهو من قولك: خَلاَ فلان بعرض فلان أي: يَعْبَثُ به.
وإذا تعدّى ب {إلى} كان نصًّا في الانفراد فقط، أو تقول: ضمن خلا معنى صرف فتعدّى إلى، والمعنى: صرفوا خَلاَهم إلى شَيَاطينهم، أو تضمّن معنى ذهبوا وانصرفوا ومنه: القرون الخالية.
وقيل: إلى- هنا- بمعنى مع، كقوله: {وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَهُمْ إلى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2].
وقيل: هي هنا بمعنى الباء، وهذان القولان إنما يجوزان عند الكوفيين، وأما البصريون فلا يُجِيزون التجوّز في الحروف؛ لضعفها.
وقيل المعنى: وإذا خلوا رجعوا إلى شَياطينهم.
فإلى على بابها.
والأصل في خَلَوا: خَلَوُوا، فقلبت الواو الأولى التي هي لام الكلمة ألفًا لتحركها، وانفتاح ما قبلها، فبقيت ساكنة وبعدها واو الضمير ساكنة، فالتقى ساكنان، فحذف أولهما، وهو الألف، وبقيت الفتحة دالةً عليها.
و{شياطينهم} جمع شيطان، جمع تكسير، وقد تقدّم القول في اشتقاقه، فوزن شياطين: إما فَعَالِيل أو فَعَالِين على حسب القولين المتقدّمين في الاستعاذة، والفصيح في شياطين وبابه أن يعرب بالحركات؛ لأنه جمع تَكْسير، وهي لغةٌ رديئة، وهي إجراؤه إجراء الجمع المذكر السالم، سمع منهم: لفلان البستان حوله البُسْتَانُون.
وقرئ شاذا: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطون} [الشعراء: 210].
وشياطينهم: رؤساؤهم وكَهَنَتُهُمْ.
قال ابن عباس: وهم خمسة نفر من اليهود: كَعْبُ بن الشرف بالمدينة، وأبو بردة بالشام في بني أسلم، وعبد الدار في جهينة، وعوف بن عامر في بني أسد، وعبد الله بن السوداء بالشام ولا يكون كاهن إلا ومعه شيطان تابع له.
وقال مجاهد: شياطينهم: أصحابهم من المنافقين والمشركين.
وقوله: {إِنَّا مَعَكْمْ} إنّ واسمها ومعكم خبرها، والأصل في إنا: إننا لقوله تعالى: {إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا} [آل عمران: 194]، وإنما حذفت نُونَي إن لما اتصلت بنون ن، تخفيفًا.
وقال أبو البقاء: حذفت النون الوُسْطَى على القول الصحيح، كما حذفت في إن إذا خففت.
ومَعَ ظرف والضمير بعده في محلّ خفض بإضافته إليه وهو الخبر- كما تقدم- فيتعلّق بمحذوف وهو ظرف مكان، وفهم الظرفية منه قلق.
قالوا: لأنه يدلّ على الصحبة، ومن لازم الصحبة الظَّرفية، وأما كونه ظرف مكان، لأنه يخبر به عن الجُثَثِ نحو: زيد معك، ولو كان ظرف زمان لم يَجُزْ فيه ذلك.
واعلم أن مع لا يجوز تسكين عينها إلا في شعر كقوله: الوافر:
فَرِيشِي مِنْكُمُ وَهَوَايَ مَعَكُمْ ** وَإِنْ كَانَتْ زَيَارَتُكُمْ لِمَامَا

وهي حينئذ على ظرفيتها خلافًا لمن زعم أنها حينئذ حرف جَرّ، وإن كان النَّحاس ادّعى الإجماع في ذلك، وهي من الأسماء اللازمة للإضافة، وقد تقطع لفظًا، فتنتصب حالًا غالبًا، تقول: جاء الويدان معًا أي: مصطحبين، وقد تقع خبرًا، قال الشاعر: الطويل:
حَنَنْتَ إلى رَيَّا وَنَفْسُكَ بَاعَدَتْ ** مَزَارَكَ مَنْ وَشَعْبَاكُمَا مَعًا

فشَعْبَاكُمَا مبتدأ، ومَعًا خبره، على أنه يحتمل أن يكون الخبر محذوفًا، ومَعًا حال.
واختلفوا في مع حال قطعها عن الإضافة؛ هل هي من باب المقصور نحو: عصى ورحا، أو المنقوص نحو: يد ودم؟ قولان:
الأوّل: قول يونس، والأخفش.
والثاني: قول الخليل وسيبويه، وتظهر فائدة ذلك إذا سمّي به.
فعلى الأول تقول: جاءني معًا ومررت بمَعٍ كيَدٍ، ولا دليل على القول الأوّل في قوله: وشعباكما معًا؛ لأن معًا منصوب على الظَّرف النائب عن الخبر، نحو: زيد عندك وفيها كلام كثير.
وقوله: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} كقوله: {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة: 11]، وهذه الجملة الظاهرة أنها لا محلّ لها من الإعراب لاستئنافها؛ إذ هي جواب لرؤسائهم، كأنهم لما قالوا لهم: {إنَّا مَعَكُمْ} توجّه عليهم سؤال منهم، وهو: فما بالكم مع المُؤْمنين تُظَاهرونهم على دينهم، فأجابوهم بهذه الجملة.
وقيل: محلّها النصب، لأنها بدلٌ من قوله: {إنَّا مَعَكُمْ}.
وقياس تخفيف همزة {مستهزءون} ونحوه أن تجعل بَيْنَ بَيْنَ، أي بين الهمزة والحرف الذي منه حركتها وهو الواو، وهو رأي سيبويه، ومذهب الأخفش قلبها ياء محضة.
وقد وقف حمزة على {مُسْتَهْزِئُونَ} و{فَمَالِئُونَ} [الصافات: 66] و{لِيُطْفِئُواْ} [الصف: 8] و{لِّيُوَاطِئُواْ} [التوبة: 37] و{وَيَسْتَنْبِئُونَكَ} [يونس: 53] و{الخاطئين} [يوسف: 29] و{الخاطئون} [الحاقة: 37]، و{مُّتَّكِئِينَ} [الكهف: 31] و{مُتَّكِئُونَ} [يس: 56]، و{المنشئون} [الواقعة: 72] بحذف صورة الهَمْزَةِ اتباعًا لرسم المُصْحَفِ.
وقولهم: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} توكيد لقولهم: {إنَّا مَعَكُمْ}. اهـ. باختصار يسير.

.تفسير الآية رقم (15):

قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)}.

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{اللهُ يستهزئ بهم} أي يجازيهم على فعلهم بالاستدراج بأن يظهر لهم من أمره المرذي لهم ما لا يدركون وجهه فهو يجري عليهم في الدنيا أحكام أهل الإيمان ويذيقهم في الدارين أعلى هوان مجددًا لهم ذلك بحسب استهزائهم، وذلك أنكأ من شيء دائم توطّن النفس عليه، فلذلك عبر بالفعليه دون الاسمية.
مع أنها تفيد صحة التوبة لمن تاب دون الاسمية.
{ويمدهم} من المد بما يلبس عليهم.
وقال الحرالي: من المدد وهو مزيد متصل في الشيء من جنسه، {في طغيانهم} أي تجاوزهم الحد في الفساد.
وقال الحرالي: إفراط اعتدائهم حدود الأشياء ومقاديرها انتهى.
وهذا المد بالإملاء لهم حال كونهم {يعمهون} أي يخبطون خبط الذي لا بصيرة له أصلًا.
قال الحرالي: من العمه وهو انبهام الأمور التي فيها دلالات ينتفع بها عند فقد الحس فلا يبقى له سبب يرجعه عن طغيانه، فلا يتعدون حدًا إلا عمهوا فلم يرجعوا عنه فهم أبدًا متزايدو الطغيان. اهـ.